في محاسبة النفس

هناك تعليقان (2)
في محاسبة النفس

" متى آلمك عدم إقبال الناس عليك، أو توجههم بالذم إليك، فارجع إلى علم الله فيك، فإن كان لا يقنعك علمه فيك فمصيبتك بعدم قناعتك بعلمه أشد من مصيبتك بوجود الأذى منهم "بن عطاء الله السكندري.
صلة المؤمن بالله هى أساس أمنه أو قلقه، وفرحه أو أساه، أما صلته بالناس فهى تجىء فى المرتبة الأخرى، وتجىء محكومة ببواعث الصلة الأولى وغايتها.

إن رأى الناس فى أمر ما ليس حكما مبرما بالتخطئة والتصويب، ورأيهم فى شخص ما ليسى حكما بالرفعة والضعة.

والذى يحدث غالبا أن آراء الناس هذه ترسل إرسالا يحتاج إلى الضبط والتمحيص، وقلما يكتنفها الرشد والسداد.

ولذلك يقول أبو تمام: إن شئت أن يسود ظنك كله فأجله فى هذا السواد الأعظم!

بل إنه فى الأزمات التى تحتاج إلى النجدة، والشدائد التى تحتاج إلى البطولة، تبحث فى الزحام الكثيف عن الرجال الذين يلقون هذه المواقف...

فتروعك ندرتهم...

ما أكثرالناس، لا، بل ما أقلهم الله يعلم أنى لم أقل فندا إنى لأفتح عينى حين أفتحها على كثير ولكن لا أرى أحدا ومن ثم كان عزاء المصلحين حين يلقون الصدود والغمط، ويشعرون بالإنكار والعزلة قول الله جل شأنه:
(وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون * إن ربك هو أعلم من يضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين).

ولما كان انبعاث المؤمن من ضميره وحده، ومبتغاه أن يرضى الله عنه، فهو لا يكترث، أوقع الناس فيه، أم كانوا إلى جانبه...!!

بيد أن الإنسان شديد الروابط بالمجتمع الذى يعيش فيه، ونفسه ـ طوعا أو كرها ـ لابد أن تتأثر بتيارات المدح والذم التى تهب عليه.

ومن حق الرجل الفاضل ألا يعرضه فضله لهوان، إذا لم يكسب له ما يجب من احترام.

ومن حقه أن يدفع عن نفسه قالة السوء، وأن يتخذ من ضروب الحيطة ما يعقل ألسنة الشر عن مناله.

ومن حقه وهو مصدر إشعاع ألا يكسف نوره، وأن تؤخذ عنه الأسوة الحسنة وأن تأوى إليه عناصر الخير فى الدنيا لتحتمى به...

ومن ثم فصلته بالناس يجب أن تشرح بشىء من التفصيل.

إن ظهوره بالبر بينهم، ومعالنته بفرائض الإسلام وشعائره شىء طبيعى لا حرج فيه:
(إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم ويكفر عنكم من سيئاتكم والله بما تعملون خبير)

وحرصه على صيانة سمعته من أى غبار شىء طبيعى، وقد استوقف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نفرا رأوه مع إحدى زوجاته، وأفهمهم أنه مع فلانة زوجته حتى لا يظنوا به السوء، مع أنه فوق التهم.

وسروره بما يعرف عنه من خير شىء طبيعى، بعد أن أدى هذا الخير بنية خالصة وقلب سليم.

وقد تحدث الصحابة إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى هذا الشعور الذى يخالج أنفسهم عندما يذكرهم الناس بخير على عمل قاموا به لله.

فقال: "تلك عاجل بشرى المؤمن " .

وتلا قوله تعالى:
(الذين آمنوا وكانوا يتقون * لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم)

إن التمكين فى الأرض من رحمة الله، ونباهة الشأن جزء من التمكين فى الأرض، ولذلك امتن الله على نبيه محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال:
و رفعنا لك ذكرك).

وطلب إبراهيم من ربه أن يخلد له حسن الثناء على امتداد الزمن فقال
(رب هب لي حكما وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الآخرين)

والمهم أن يصدر الإنسان فى عمله عن إخلاص لله، وألا يبتغى بأدائه عرض الدنيا ولا وجوه الخلق.

وأن تكون رغبته فى الله راجحة أى باعث آخر، فلو خاصم الناس طرا من أجل مولاه لم يجزع ولم يفزع.

وأن تكون علاقته بالناس ـ إن أحبهم ـ تعاونا على الحق، لا تناصرا على الأغراض، أو تجمعا على الشهوات والحظوظ النفسية...

فماذا أحس الإنسان بالتواء العامة عليه أو بنفرة الآخرين منه، فلينظر: كيف صلته بالله؟ فإن كان طيب النفس بها، قرير العين بتوطدها، فلا عليه لو مادت الدنيا تحت قدميه.

فما سخط العبيد بجنب رضا السيد؟ وما أحراه أن يتدبر جواب هود لقومه:
:إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون * إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم),

أما إذا كانت علاقته بالله غامضة واهنة، فليست مصيبته فى اضطراب حبله مع العباد وانصراف قلوبهم عنه وحزنه على ذلك، بل مصيبته التى تجل عن العزاء فى أنه ليس له مع الله ما يهدئ حاله، ويقر باله...

وذلك أصل الداء

من كتاب :
الجانب العاطفي في الإسلام ,الشيخ محمد الغزالي رحمه الله.

هناك تعليقان (2) :