خريطة المستفيدين من انفصال جنوب السودان

ليست هناك تعليقات

خريطة المستفيدين
من انفصال جنوب السودان

منذ وضع الاحتلال البريطاني أقدامه في السودان عام 1896م لم يقتصر دوره على نهب ثروات هذا البلد الغني بالمقدرات الطبيعية، كما حدث في معظم الدول التي احتلَّها، سواء في إفريقيا أو بلاد الهند؛ حيث مثَّل السودان بالنسبة للاحتلال البريطاني أهميةً خاصةً، فهو يعد بوابة المد الإسلامي الذي يمكن أن يصل إلى العمق الإفريقي، وقد عملت بريطانيا طوال سنوات الاحتلال بكل الوسائل لمنع الإسلام من الوصول إلى "كيب تاون" عاصمة جنوب إفريقيا، التي كانت واقعة أيضًا تحت الاحتلال البريطاني، وفي منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي بدأت خطة بريطانيا مدعومة بمجلس الكنائس العالمي في الدعوة إلى انفصال الجنوب حتى يكون وطنًا منفصلا يدين بالمسيحية؛ لمواجهة دولة المسلمين في الشمال، ويكون الجنوب حائط صدٍّ لأي مد إسلامي لعمق إفريقيا، نتيجة تشبع الشعب السوداني بالتيارات الإسلامية المختلفة التي كانت أبرزها الصوفية، فضلا إلى ضعف دور إثيوبيا التي كان منوطًا بها القيام بهذا الدور.

إلا أن الاحتلال البريطاني وجد أن الجنوب لا يصلح أن يكون دولةً منفصلةً، وأن أفضل شيء أن يظل تحت إدارة الشمال، مع زيادة النشاط التبشيري من أجل أن يكون مسيحيو الجنوب هم أنفسهم حائط صد ضد انتشار الإسلام، وقد توصلت الحكومة البريطانية قبل انسحابها من السودان إلى هذه النتيجة، بعد أن استطلعت أراء كل المسئولين البريطانيين الذين تولوا شئون السودان سواء في الشمال أو الجنوب.

ورغم انتهاء الاحتلال البريطاني ثم انفصال السودان عن مصر، إلا أن هناك احتلالا من نوع آخر حدث لجنوب السودان، وهو احتلال الكنائس التي زرعها الاحتلال البريطاني بالتنسيق مع مجلس الكنائس العالمي، حتى أصبح لهذا المجلس أكثر من 500 إرسالية منتشرة في جنوب السودان، حتى وقتنا هذا، لها تأثيرها الفاعل في تحريك قيادات الحركة الشعبية، ودفعهم إلى الانفصال عن الشمال، هذا التوجه من قِبَل مجلس الكنائس العالمي صاحب توجُّهات أخرى لدول وهيئات متعددة تجمعت كلها على أهمية الانفصال لما يحقق مميزات كبيرة تحمي مصالحهم المختلفة، وفي السطور القادمة نوضح المستفيدين من انفصال جنوب السودان:

1- مجلس الكنائس العالمي

لعب مجلس الكنائس العالمي دورًا كبيرًا في عمليات التبشير ليس في جنوب السودان فقط، وإنما في كل إفريقيا بل إنه حاول أيضًا الدخول في قلب السودان؛ حيث الأغلبية المسلمة، مستغلا في ذلك فقر البشر وتخلفهم وحاجتهم لما يسد جوعهم وعطشهم، وقد استخدم المجلس - من خلال كنائسه في جنوب السودان التي وصلت إلى 500 كنيسة وإرسالية - كل الأساليب من أجل جذب أهل الجنوب إليها، وقد وضعت في كثير من الأوقات شروطًا لتوزيع معوناتها التي كان من أبرزها تقدمها لكل المسيحيين بمختلف أعمارهم، بينما تقدم إلى غيرهم من المسلمين والوثنيين للأطفال والنساء فقط، ما دفع المسلمين والوثنيين إلى تسمية أنفسهم وأبنائهم بأسماء مسيحية من أجل الحصول على معونات الكنائس التي كانت تتخذ من إثيوبيا قاعدة لانطلاقها في الجنوب.

وهو ما كشفه "آشوك كولن يانق" الأمين العام لمجلس الكنائس العالمي لوسط وشرق إفريقيا سابقًا" بعد إسلامه؛ حيث أوضح المخططات التي كانت تتبعها الآلاف من المنظمات الغربية الكنسية في تنصير المسلمين عبر وسائل وأساليب متعددة، منها الغطاء الإنساني، وسلاح المعونات، وممارسة الضغوط على الحكومات العربية والإسلامية حتى تستجيب للمطالب الغربية.

وقد حذَّر تقرير أمني سوداني تم نشره عام 2007م من نشاط الهيئات التنصيرية في جنوب السودان، مستدلا بما قاله المنصِّر الإيطالي الشهير (دانيال كمبوني)، الذي أخذ العهد على نفسه وهو يشهد احتضار أحد القساوسة بأن ينذر حياته لتنصير إفريقيا أو الموت على درب من سبقوه، وبدأ القس (ليوللن قوبي) تأسيسه للكنيسة الأسقفية الأنجليكانية بشعار (إعادة نصب راية المسيح التي سقطت) ويقول: "إن على الكنيسة ألا تخلد إلى الراحة حتى تستعيد ما كان لها مرةً أخرى".

وطبقًا للتقرير الأمني فإن دوائر التنصير تتحدث عن إقليم الجنوب السوداني كما لو أنه ملك لهم وحدهم لا يسع أحدًا أن يزاحمهم فيه، رغم أن تلك الكنائس لم تقدِّم إلى أهل الجنوب طوال قرن ونصف القرن ما يصلح أن تنبني عليه حضارة.

وأشار التقرير إلى ورقة عمل قدَّمها مجلس الكنائس السوداني ضمن اجتماع مجلس عموم كنائس إفريقيا في لومي عام 1987م بعنوان (إنقاذ السودان): والتي نادى فيها بضرورة إيجاد السودان الجديد الخالي من السيطرة العربية، وطالبت الورقة بدعم مجلس الكنائس الإفريقي والعالمي لإيجاده.

المصالح والقرن الإفريقي

2- الولايات المتحدة الأمريكية

تعد الولايات المتحدة الأمريكية التي يهمها انفصال الجنوب ورغم تباين وجهات النظر داخل الإدارة الأمريكية في مراحل سابقة حول جدوى الانفصال، وأن هذا الانفصال سيعطي دفعةً للحكومة الإسلامية في الشمال التي تصر على تطبيق الشريعة الإسلامية من خلال تنفيذ برامج تنموية، بعد التخلص من عبء الجنوب، إلا أنه خلال الأعوام الأخيرة اتفقت هذه الأراء المتباينة على دعم الحركات الانفصالية الجنوبية، وتقويتها بعدة أشكال من أجل ترسيخ مفهوم الانفصال وإنشاء دولة جنوبية ترفع شعار العلمانية في مواجهة الحكومة التي ترفع شعار تطبيق الشريعة الإسلامية، وأصبح للمبعوث الأمريكي الخاص بالسودان سكوت جريشن، تأثير واضح على رسم مستقبل الاستفتاء القادم، بل لعب هذا المبعوث دورًا كبيرًا في استبعاد كل القيادات الجنوبية المطالبة بالوحدة، أو التي تحبذها عن الانفصال، من دوائر صناعة القرار، وخاصة من الدوائر القريبة جدًّا من رئيس حكومة الجنوب سيلفا كير، ولعل هذا ترجمه مؤخرًا زيارة وفد سوداني في مطلع أكتوبر الجاري إلى الولايات المتحدة، والتي التقى فيها سيلفا كير الرئيس باراك أوباما، وخرج بعدها ليعلن أنه سوف يصوت لصالح الانفصال.

وللولايات المتحدة أكثر من هدف لانفصال الجنوب، منها أهداف متعلقة بالحرب على الإسلام وحصاره حتى لا يمتد إلى قارة إفريقيا، وهي بذلك تنفِّذ وتساير هدف مجلس الكنائس العالمي، وهو ما أعلن عنه الرئيس الأمريكي السابق جورج دابيلو بوش بقوله "إنه سيتصدى لحفظ كرامة الإنسان وضمان الحريات الدينية في كل مكان في العالم من كوبا إلى الصين إلى جنوب السودان".

وهو ما ذهب إليه أيضًا القس فرانكلين جراهام - المعروف بعدائه للإسلام - في مقال نشرته الصحف الأمريكية أكد فيه أنه يخطط لإعادة بناء مئات الكنائس التي دُمرت في جنوب السودان، مبررًا ذلك بالحرب على كنيسة المسيح في إفريقيا!.

مشروع أفريكوم العسكري

ويأتي الهدف العسكري كأحد أبرز الأهداف الأمريكية من الوجود في السودان، وهو ما ترجمه مشروع "أفريكوم" الذي ظهرت فكرته إلى النور عام 2003م، ويهدف المشروع إلى بناء قواعد عسكرية في إفريقيا، ورغم العروض التي قدمتها كل من ليبريا وإثيوبيا لاستضافة (إفريكوم)، إلا أن الإدارة الأمريكية وجدت ضالتها للسيطرة على العمق الإفريقي من خلال دولة جنوب السودان، وقد كشف الباحث السوداني عاصم فتح الرحمن أحمد الحاج في دراسة حول أسباب دعم الولايات المتحدة لانفصال الجنوب، عن خفايا عديدة في مشروع أفريكوم، مستدلا بتصريحات الجنرال جيمس جونز قائد القوات الأمريكية فى أوروبا عن عزم الولايات المتحدة الأمريكية الوجود على أراضي القارة السمراء؛ حيث أنها لا تريد أن تبقى بعيدًا عن ما يحدث في إفريقيا، وأنه لم يعد بمقدور القوات الأمريكية أن تظل تراقب الأوضاع في القارة الإفريقية من على البحر؛ لذلك لا بد من أن يكون هناك وجود أمريكي على الأرض الإفريقية، خاصة في دول شمال إفريقيا وجنوب الصحراء، وهو الهدف نفسه الذي طالبت به إستراتيجية مجلس الطاقة الأمريكية والذي يعرف بتقرير "ديك تشيني" الذي دعا الإدارة الأمريكية إلى إنشاء قواعد عسكرية في كل المناطق التي تحتوي على النفط في العالم، بدءًا من كازخستان وحتى أنجولا في إفريقيا، وعلى ضوء هذا التقرير أعلن وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس في 6 فبراير من 2007م أمام لجنة التسلح في مجلس الشيوخ الأمريكي أن الرئيس الأمريكي السابق جوج دبليو بوش قد أصدر قرارًا بإنشاء قيادة عسكرية جديدة في إفريقيا.

وقد عملت الولايات المتحدة على تعزيز وجودها في الجنوب من خلال 35 منظمةً دولية أمريكية منتشرة في مختلف أرجاء السودان، وتمثِّل 19% من كل المؤسسات الدولية العاملة في السودان ككل، وللولايات المتحدة حوالي 390 يعملون في مؤسساتها بالسودان إضافة 220 مـوظفًا يعملون في مختلف الوكالات الدولية غير الأمريكية، ليشكلوا بذلك 34% تقريبا من الوجود الأجنبي في السودان ككل.

التوغل ضد مصر

3- الكيان الصهيوني

الكيان الصهيوني له أذرع وأياد عديدة تلعب في الجنوب من أجل الانفصال، وإن كان الكيان غير حاضر في المشهد بشكل رسمي إلا أنه متوغل في معظم الهيئات الدولية والإغاثية المنتشرة في جنوب السودان، كما أنه يسيطر على فنادق ومطاعم الجنوب من خلال الشركات الكينية والأوغندية والإثيوبية المالكة والمشغلة لهذه المشروعات.

وتعد السيطرة على نهر النيل لخنق مصر وشل حركتها هو الهدف الأساسي للتوغل الصهيوني في جنوب السودان، وقد أدركت الحركة الشعبية لتحرير السودان ذلك جيدًا، فتفانت في نسج خيوط التقارب والتعاون مع الكيان الصهيوني، وكان آخرها الإعلان الصريح من وزير الإعلام في حكومة الجنوب بأنهم سيوثقون علاقتهم بالكيان الصهيوني فور إعلان الانفصال، وليس خفيًا على المتابعين لأحوال الجنوب أيضًا حرص قيادات الحركة الشعبية علي زيارة الكيان بشكل متواصل، كما قام الكيان الصهيوني بتدريب حوالي عشرين ألف مقاتل من الحركة الشعبية على حدود أوغندا الشمالية، بل إنه أقام جسرًا جويًّا إلى مناطق التمرد في مارس 1994م.

تدريب وتأهيل الجنوب

وفي حالة انفصال الجنوب سيكون للجيش الصهيوني وأجهزة الاستخبارات الصهيونية دور كبير، بل الدور الأول في تحويل الجيش الشعبي إلى جيش نظامي، وليس بعيدًا أن يمتد هذا الدور إلى أقاليم أخرى في السودان.

ويهدف الكيان الصهيوني من وراء هذا كله إلى تهديد الأمن العربي بصفة عامة والمصري بصفة خاصة، من خلال زيادة النفوذ الصهيوني في الدول المتحكمة في مياه النيل من منابعه، مع التركيز على إقامة مشروعات زراعية تعتمد على سحب المياه من بحيرة فيكتوريا، هذا بالإضافة إلى السعي الصهيوني الدائم للحصول على تسهيلات عسكرية في دول منابع النيل وزرع القواعد الجوية والبحرية، وللكيان الصهيوني خمس قواعد عسكرية في جزيرة حنيش وهلك بإثيوبيا، فضلا عن أخرى بالقارة السمراء، هدفهم جميعًا التجسس على الأقطار العربية، إضافة إلى تصريف منتجات الصناعة العسكرية الصهيونية، وخلق كوادر عسكرية إفريقية تدين لها بالولاء.

"بيزنس" الإغاثة

4- منظمات الإغاثة الدولية

يعد جنوب السودان كما سبق الإشارة في موضوع سابق كنزًا لا ينفذ لمنظمات الإغاثة الدولية؛ حيث تحصل على أكثر من 300 مليون دولار سنويًّا لدعم التنمية في الجنوب، إلا أنها لا تنفق على برامج التنمية سوى 5% منها فقط، بينما يذهب الباقي إلى الدعم اللوجسيتي الخاص بالرواتب والبدلات والمكافآت والفنادق والرشاوى، وكما وصف العديد من أهل الجنوب، فإن دور هذه المنظمات يقتصر على قيام العديد منهم بممارسة رياضة الجري في شوارع الجنوب في الساعات الأولى من الصباح أو مع غروب الشمس، وشرب الخمور في البارات المنتشرة في كل ربوع الجنوب، وتقديم المعلومات المغلوطة إلى أجهزة الإعلام الدولية؛ لتأكيد وجود أزمات في جنوب السودان تتطلب وجودها.

وقد فضحت بعض الكتابات الغربية الأدوار المشبوهة لهذه المنظمات منها كتاب:LORDS of POVERTY ، وكتاب: THE ROAD TO HELL وقد كشف الكتابان الأخطاء والتجاوزات لمنظمات العون الإنساني في الجنوب من أجل تصحيح مسارها؛ حيث خلقت هذه المنظمات مجتمعًا اتكاليًّا في جنوب السودان، يعتمد على المعونات، ويكفي أن نفس الفريق الذي أدار برنامج المعونة الأمريكية قبل اتفاقية السلام هو نفسه الذي يدير حكومة الجنوب الآن.

ولمزيد من المعلومات حول دور هذه المنظمات في تأجيج الخلاف مع الشمال ودعم خيار الانفصال يمكن مطالعة هذا الموضوع:

http://www.ikhwanonline.com/Article.asp?ArtID=72485&SecID=341

السيطرة التجارية

5- أوغندا

تعد أوغندا أو كما يطلق عليها السودانيون يوغندا من أبرز اللاعبين في جنوب السودان؛ حيث ترتبط أوغندا بعلاقات متميزة مع قادة الجنوب الذين احتضنتهم خلال حربهم مع الحكومة السودانية، وهناك قبائل استوائية مشتركة بين الجانبين، لها نفوذ واسع في الجنوب.

ومنذ توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية وحركة تحرير السودان في 2005م، كانت هناك تحركات أوغندية للسيطرة على الجنوب سياسيًّا وعسكريًّا واقتصاديًّا، فأوغندا تعد ممرًّا جيدًا لجنوب السودان، كما أنها تسيطر على الوظائف الإدارية في حكومة الجنوب الوليدة، بل إن الأوغنديين هم الذين يقومون بتسجيل أسماء الجنوبيين في الاستفتاء المرتقب على حق تقرير المصير مطلع العام المقبل، وقد أحدث ذلك أزمةً كبيرةً؛ حيث قام الموظفون الأوغنديون بتسجيل الأسماء طبقًا للنظام الإنجليزي الذي يبدأ بلقب العائلة ثم اسم الشخص وأخيرًا اسم والده، وهو النظام الذي يغاير نظام التسجيل القبائلي، فضلاً لمخالفته نظام التسجيل العربي، ما دفع أحد الجنوبيين إلى التعليق على هذه الكارثة بأن الأوغنديين يزعمون أنهم يفهمون في كل شيء؛ ليسيطروا على كل شيء في جنوب السودان، فالجنوب بالنسبة لهم كنز من الخيرات.

دعم متبادل

ولعل الحرص الأوغندي على انفصال الجنوب يعكس الزيارة التي قام بها الرئيس الأوغندي منذ عدة أشهر إلى الولايات المتحدة؛ لدعم إجراء الاستفتاء في موعده، بل إن الرئيس الأوغندي كلَّف شركة للعلاقات العامة للقيام بحملة منظَّمة؛ لإحباط جهود الخرطوم الهادفة إلى إقناع أمريكا بضرورة تأجيل الاستفتاء لعدم توفر المتطلبات الفنية لإجرائه بصورة سليمة، وهو ما حدث بالفعل مؤخرًا.

وبجانب التوغل السياسي لأوغندا في الجنوب هناك توغل اقتصادي أيضًا؛ حيث يسيطر الأوغنديون على سوق "توكو توكو" وهو أكبر الأسواق التجارية في الجنوب، كما تحوَّل ميدان الحرية في جوبا إلى سوق أوغندي، بل إن أوغندا تسيطر على حركة التجارة والأكل والشرب في الجنوب؛ حيث إن الوصول من جوبا عاصمة الجنوب إلى وسط كامبلا عاصمة أوغندا لا يستغرق سوى 10 ساعات بالطريق البري الممهد وبتكلفة 50 جنيهًا سودانيًّا فقط، وبدون وثائق أو أجوزة، بينما الوصول إلى الخرطوم يستغرق ثلاثة أيام عن طريق البر ومن خلال طرق غير ممهدة أو آمنة، أو عن طريق الطيران الذي يحتاج إلى 500 جنيه سوداني ذهابًا ومثلهم إيابًا، وطبقًا للعديد من التقارير الاقتصادية فإن عائدات التجار الأوغنديين البعيدة عن التبادل الرسمي تبلغ في العام حوالي "500" مليون دولار.

وهناك خطط موضوعة لبناء السوق الحديث في جوبا كمشروع مشترك بين الحكومة الأوغندية، وحكومة جنوب السودان، وتقدَّر تكلفة هذا السوق بنحو 1.7 مليار شلن أوغندي أي 850 مليون دولار، على أن يتم إنشاؤه في مدينة بايام، والتي تبعد حوالي 10 كيلو جنوب غربي جوبا، فضلاً عن المدن الأخرى المتاخمة للبلدين.

أنشطة تجسسية

6- إثيوبيا

تسيطر إثيوبيا على الفنادق والمطاعم والبارات الموجودة في جنوب السودان؛ حيث بلغت عدد الفنادق المنتشرة في كل ولايات الجنوب 85 فندقًا خلال الخمس سنوات الماضية التي أعقبت اتفاقية السلام، ورغم سوء خدمات هذه الفنادق إلا أنها الإقامة فيها غالية جدًّا؛ حيث تبدأ الأسعار من 120 دولارًا وتصل في بعض الفنادق إلى 350 دولارًا في اليوم.

الاهتمام الإثيوبي بانفصال الجنوب لم يكن لأهداف تجارية أو اقتصادية فقط؛ حيث يسيطر على الفنادق والمطاعم والبارات التي سبق الإشارة إليها الموساد الصهيوني من الباطن، وهو ما يدفعنا إلى الأهداف الأخرى لدعم هذا الانفصال، ويدلل خبر نشرته الصحف الصهيونية مؤخرًا عن استضافة وزارة الخارجية الصهيونية وفدًا رفيع المستوى من كبار القضاة في إثيوبيا، على الأهداف الصهيونية الإثيبوبية المشتركة، سواء بالسيطرة على مياه النيل ووضع مصر والسودان في موقف متوتر بشكل مستمر نتيجة التوجُّه الإثيوبي المفاجئ نحو ضرورة إعادة توزيع حصص مياه النيل، وليس خفيًّا أن إثيوبيا تعد إحدى أزمات الأمن القومي المصري، خاصة بعد التوغل الصهيوني بها.

وقد بعث الكيان الصهيوني بخبرائه في المياه إلى إثيوبيا، والذين ساعدوها على إنشاء 3 سدود على روافد النيل الكبرى التي تدخل على المجرى الرئيسي في أجزاء متقدمة من جنوب إثيوبيا ثم السودان ثم مصر، وقد أقرَّت إثيوبيا بهذه السدود الثلاثة (بنشام- الليبرد- ستيد)؛ بحجة توليد الكهرباء، وأقرَّت بوجود الخبراء الصهاينة هناك.

ثم قام الكيان الصهيوني باللعب في جنوب السودان، فأوقف مشروع قناة "جونجلي" التي كانت ستوفر لمصر كميةً إضافيةً قدرها 5 مليارات متر مكعب من المياه؛ ووضعت إستراتيجية تهدف إلى إعادة تشكيل منطقة البحيرات العظمى بما يخدم مصالحها في السيطرة على الموارد المائية، وإبقاء المنطقة كلها في صراعاتٍ إثنيةٍ وطائفيةٍ مستمرة، فشهدت منطقة البحيرات منذ بداية عقد التسعينيات صراعات مسلحة أثمرت مذابح بشعة، راح ضحيتها الآلاف من الأرواح، في رواندا وبورندي التي اشتعل فيها القتال هناك، متأثرًا بما جرى في رواندا.

المصارف والبترول

7- كينيا

تقوم الإستراتيجية الكينية على دعم الانفصال، لعدة أسباب منها الأمنية والسياسية والاقتصادية، وتعتبر كينيا أن الحركة الشعبية مدينة لها؛ حيث كانت هي من آواها ودعمها في مجال البناء العسكري اللوجستي من خلال الكنيسة الإفريقية الموجودة في كينيا؛ لذلك فمن الواجب على الحركة الشعبية حال الانفصال أن تقوم برد ديونها إلى كينيا.

ومن الناحية الاقتصادية فإن كينيا تسيطر على التحويلات والتعاملات البنكية والمصرفية، ويعد البنك التجاري الكيني هو الوحيد الذي يتم من خلاله تحويل الأموال من الحكومة المركزية إلى حكومة الجنوب، وكذلك تحويل المعونات الدولية الخاصة بمنظمات الأمم المتحدة والمنظمات التطوعية، كما أنه البنك الذي يتم من خلاله صرف رواتب الموظفين، ولهذا البنك 10 فروع في كل ولايات الجنوب العشر، كما تقوم كينيا الآن بإنشاء خطوط لتصدير البترول بمعزل عن بورتسودان في الشمال المنفذ الوحيد الحالي للجنوب الآن؛ حيث سيتم نقل الخط الخام من جنوب السودان إلى ميناء لامو بكينيا على المحيط الهندي بجانب الطرق التي تعتزم كينيا ربطها مع الجنوب، وتقوم الآن شركات قطرية بتطوير هذا الميناء بتكلفة تصل إلى نصف مليار دولار، استعدادًا لنقل بترول الجنوب من خلاله.

ليست هناك تعليقات :