د. مجدي الهلالي يكتب: استصغار النفس

هناك 8 تعليقات
استصـــغـــــــــــار النفـس

الدكتور: مجدي الهلالي
أفتى سلطان العلماء "العز ابن عبد السلام" ببيع المماليك ورد ثمنهم إلى بيت المال، وذلك في عهد الملك الصالح أيوب، وكان من بينهم نائب السلطان فكَبُر ذلك عليه، فتوجه ومعه جماعة من المماليك إلى بيت الشيخ شاهرًا سيفه فطرق الباب طرقًا عنيفًا، فلما خرج له ابن الشيخ ألجمته المفاجأة إذ رأى شدة الغضب في وجه نائب السلطان والسيف مشهر بيده، فدخل إلى والده وأخبره بما رأى، وأنهم جاءوا ليقتلوه، فلم يكترث الشيخ بما سمع وقال لابنه: يا ولدي أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله!
إجابة عجيبة في موقف لا يحتمل التكلف، إجابة تقطر تواضعًا واستصغارًا للنفس ومحو الذات.
وعندما خرج إليهم ألقى الله مهابته في قلب نائب السلطان فيبست يده على السيف، وسقط من يده، وارتعدت فرائصه، ووافق على تنفيذ فتوى الشيخ!.
إن رؤية المرء لنفسه بعين النقص واستصغاره لها واستشعاره أنه لا قيمة له ولا اعتبار بذاته، وأن أي خير هو فيه فهو محض فضل من الله، وأنه سبحانه إن شاء أثبته وإن شاء منعه.. هذه الحقيقة لَمِن أهم الحقائق التي ينبغي أن يعيش العبد بكينونته فيها، وأن تصطبغ حياته بها في كلِّ الأوقات والأحوال، سواءٌ كان من أصحاب المناصب الدنيوية أو الدينية أو لم يكن.
ولنا في رسل الله وأنبيائه صلوات الله عليهم وسلامه الأسوةُ الحسنة في ذلك؛ فمع أن هؤلاء الأخيار هم أفضل الخلق إلا أنهم كانوا أكثر الخلق تواضعًا، ويكفيك في هذا ما حدث من رسول الله موسى عليه السلام عندما كلفه الله عزَّ وجلَّ بحمل الرسالة والذهاب إلى الطاغية فرعون وقومه لإبلاغهم بها، والتي تؤكد على أن الله وحده هو المستحق للعبادة، وأنه رب كل شيء ومليكه(وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنْ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (10) قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُونَ (11)) (طه)، فماذا كان جواب موسى عليه السلام؟ كان جوابه في غاية التواضع واستصغار النفس(قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (33) وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (34)(القصص)، هارون عليه السلام لم يأت ذكره في القرآن إلا في مواضع قليلة.
وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم، وهو من هو في منزلته عند الله عزَّ وجلَّ وأفضليته على جميع البشر بمن فيهم الرسل والأنبياء، يأتيه رجل فيقول له يا خير البرية، فيرد عليه صلى الله عليه وسلم قائلاً: "ذاك إبراهيم عليه السلام" (رواه مسلم)، وقال يومًا لأصحابه): "لا تخيروني على موسى، فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق، فإذا موسى باطش بجانب العرش، فلا أدري أكان فيمن صعق فأفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله؟!" (متفق عليه.
وجيء إليه صلى الله عليه وسلم يومًا بطعام، فقالت له عائشة رضي الله عنها: لو أكلت يا نبي الله وأنت متكئ كان أهون عليك، فأصغى بجبهته حتى كاد يمس الأرض وقال): "بل آكل كما يأكل العبد، وأنا جالس كما يجلس العبد، وإنما أنا عبد". (أخرجه ابن المبارك في الزهد.
ودخل عليه رجل فأصابته من هيبته رعدة فقال له: ")هون عليك فإني لست بملك، إنما أن ابن امرأة من قريش تأكل القديد". (رواه ابن ماجه.
ومن صور تواضعه صلى الله عليه وسلم واستصغاره لنفسه أنه كان يكبر أفعال إخوانه من الرسل، وأنه لو كان مكانهم ما فعل مثل أفعالهم كقوله صلى الله عليه وسلم: "عجبت لصبر أخي يوسف وكرمه والله يغفر له؛ حيث أرسل إليه ليستفتي في الرؤيا ولو كنت أنا لم أفعل حتى أخرج، وعجبت لصبره وكرمه والله يغفر له أتي ليخرج فلم يخرج حتى أخبرهم بعذره ولو كنت أنا لبادرت الباب". السلسلة الصحيحة 1941(

هناك 8 تعليقات :

دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة

ليست هناك تعليقات


دولة الظلم ساعة ودولة العدل إلى قيام الساعة

إن اللإسلام حث على نشر العدل في وسط المجتمع الإسلامي , و ما تمر به الدول العربية من ثورات سببه الأول تضييع حكامها لهذه الدعامة الأساسية في بناء المجتمع .
قال الله تعالى : (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)

قال شيخ الإسلام ابن تيمية (قدس الله روحه ) في مجموع الفتاوى*:
"وَأُمُورُ النَّاسِ تَسْتَقِيمُ فِي الدُّنْيَا مَعَ الْعَدْلِ الَّذِي فِيهِ الِاشْتِرَاكُ فِي أَنْوَاعِ الْإِثْمِ أَكْثَرُ مِمَّا تَسْتَقِيمُ مَعَ الظُّلْمِ فِي الْحُقُوقِ وَإِنْ لَمْ تَشْتَرِكْ فِي إثْمٍ ؛ وَلِهَذَا قِيلَ : إنَّ اللَّهَ يُقِيمُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً ؛ وَلَا يُقِيمُ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُسْلِمَةً . وَيُقَالُ : الدُّنْيَا تَدُومُ مَعَ الْعَدْلِ وَالْكُفْرِ وَلَا تَدُومُ مَعَ الظُّلْمِ وَالْإِسْلَامِ . وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ ذَنْبٌ أَسْرَعَ عُقُوبَةً مِنْ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ } فَالْبَاغِي يُصْرَعُ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ كَانَ مَغْفُورًا لَهُ مَرْحُومًا فِي الْآخِرَةِ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَدْلَ نِظَامُ كُلِّ شَيْءٍ ؛ فَإِذَا أُقِيمَ أَمْرُ الدُّنْيَا بِعَدْلِ قَامَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِصَاحِبِهَا فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَمَتَى لَمْ تَقُمْ بِعَدْلِ لَمْ تَقُمْ وَإِنْ كَانَ لِصَاحِبِهَا مِنْ الْإِيمَانِ مَا يُجْزَى بِهِ فِي الْآخِرَةِ ؛ فَالنَّفْسُ فِيهَا دَاعِي الظُّلْمِ لِغَيْرِهَا بِالْعُلُوِّ عَلَيْهِ وَالْحَسَدِ لَهُ ؛ وَالتَّعَدِّي عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ....... " وعن عائشة رضي الله عنها أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه أسامة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتشفع في حد من حدود الله ؟ ثم قام فاختطب ثم قال إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها . متفق عليه..
ويبقى العدل أساس الملك

*المجلد : 28 الصفحة: 146

ليست هناك تعليقات :

الأوّابين

ليست هناك تعليقات
الأوّابيـــــن

موقف هــــزّني وأنا أطالع أحد الكتب فإليكم هذا الموقف الرائع :

"
و لنا في ذلك أسوة حسنةٌ في نبيِّ الرحمة صلى الله عليه وسلم الذي ما ترك خيراً إلا و أرشدنا إليه ، و لا شراً إلا أخذ بحُجَزِنا فصرفنا عنه ، و حذَّرَنا منه ، و قد كان مدرسةً في اتباع الحقّ و الرجوع عمّا يخالفه .
فقد قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر يبكيان بعد أن تبيّن لهما الحق في مسألة أسارى بدر ، خلافاً لما ذهبا إليه .
أخرج مسلم في صحيحه عن عمَر بن الخطّاب رضي الله عنه في قصّة أسارى بدر ـ و كانوا سبعين رجلاً من المشركين ـ أنّهم : ( لما أسروا الأسارى ، قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ،‏ ‏و عمر ‏: ( ‏ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟ ) فقال ‏أبو بكر :‏ ‏يا نبي الله هم بنو العم و العشيرة أرى أن تأخذ منهم ‏ ‏فديةً ،‏ ‏فتكون لنا قوةً على الكفار ، فعسى الله أن يهديهم للإسلام . فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم : ( ‏ما ‏‏ترى يا‏ ‏ابن الخطاب ؟‏ ‏) قلت : لا و الله يا رسول الله ، ما أرى الذي رأى ‏ أبو بكر ، ‏و لكني أرى أن تُمكنا فنضرب أعناقهم ... ‏فهَوِيَ رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ما قال ‏أبو بكر ، ‏و لم يهوَ ما قلتُ ، فلما كان من الغد جئتُ ، فإذا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم و أبو بكر ‏قاعِدَين يبكيان ، قلت : يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي ، أنت و صاحبك فإن وجدت بكاءً بكيتُ ، و إن لم أجد بكاءً تباكيتُ لبكائكما . فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ : ( أبكي للذي عَرض علي أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عُرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة ، شجرة قريبة من نبي الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ،و أنزل الله عز و جل : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ و اللهُ عَزيزٌ حَكِيمٌ ) [ الأنفال : 67 ] .
فما أروعه من مثَل ، و يالِحُسنِها من تربية !
نبيّ الرحمة ، و صدّيق هذه الأمّة ، يبكيان ، و يعلّمان الدعاة و العلماء ، أدباً رفيعاً من آداب الدعاة ، في الرجوع إلى الحق ، و التمسك به .
و هكذا كان أصحابه رضوان الله عليهم من بعده ، يتلمسون سبل الهدى ، و ينصاعون إلى الحق ، و يعرضون عمّا يخالفه ، و لا يجد الواحد منهم غضاضةً في الرجوع عن رأيه ، و قبول الحقّ ممّن جاء به ، كائناً من كان .
كيف ، و هم المتواصون بالحقّ ، المتواصون بالصبر !! و ما أجمل قول فاروق هذه الأمة رضي الله عنه في كتابه لمعاوية بن أبي سفيان عامله على الشام : ( و لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك و هديت لرشدك أن تراجع الحق فإن الحق قديم و مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ) .
قال السرخسي رحمه الله معقباً على كلام الفاروق هذا : ( و ليس هذا في القاضي خاصة بل هو في كل من يبين لغيره شيئا من أمور الدين الواعظ و المفتي و القاضي في ذلك سواء إذا تبين له أنه زل فليُظهر رجوعه عن ذلك ، فزلة العالم سبب لفتنة الناس ... و قوله : الحق قديم ؛ يعنى هو الأصل المطلوب ، و لأنه لا تنكتم زلة من زل ، بل تظهر لا محالة فإذا كان هو الذي يظهر على نفسه كان أحسن حالاً ، ثم العقلاء ، من أن تظهر ذلك عليه مع إصراره على الباطل ) [ المبسوط : 16 / 62 ] . "

اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا .. يــــارب

ليست هناك تعليقات :

الإخوان المسلمون.. مواقف شاهدة وكلمات مضيئة

ليست هناك تعليقات
الإخوان المسلمون
مواقف شاهدة وكلمات مضيئة


بقلم: عاطف شاهين

الحمد لله، وصلاةً وسلامًا على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد..


فهذان موقفان يتبعهما كلمات لرجالات الدعوة ومرشديها، نذكرها عسى الله أن ينفع بها، ويجعلها عونًا وتبصرةً بالطريق الصحيح، والسبيل الأقوم لإعلاء كلمة الله.
في محاكمات الإخوان عام 1965م، قال رئيس المحكمة الفريق محمد فؤاد الدجوي للشهيد سيد قطب: "يا سيد.. أنتم كنتم تريدون قتل جمال عبد الناصر"، فجاء رد الشهيد: "هدف حقير لا نسعى إليه"، نزل الرد كالصاعقة على الدجوي الذي ترك الموضوع كليةً، وبدأ الحديث في موضوع آخر.
قبيل لحظات من تنفيذ الإعدام، سُمِعَ صوت (بروجي) إيذانًا بقدوم شخصية عسكرية كبيرة، وما أن فُتحت بوابة سجن الاستئناف بباب الخلق، حتى دخلت سيارة سوداء، ويخرج منها القادم الكبير، وبيده كراسة وقلم مُشيرًا بيده إلى وقف التنفيذ، وهو يخطو خطوات تجاه الشهيد سيد قطب، حتى وقف بجواره قائلاً: "جئتك من عند الرءوف الرحيم"- يقصد جمال عبد الناصر، أفضى إلى ما قدم وموعدنا معه يوم يقوم الناس لرب العالمين- "كلمة واحدة تخطها في هذا الكراس تنقذ بها نفسك وإخوانك، اكتب: إني أخطأت.. إني أعتذر".
فسكت الشهيد برهة، ثم أردف قائلاً: "إن أصبع السبَّابة التي تشهد لله بالوحدانية في الصلاة تأبى أن تكتب كلمة واحدة يُقَرُّ بها لحكم طاغية، فإن كنت مسجونًا بحق فأرتضي حكم الحق، وإن كنت مسجونًا بباطل، فأنا أكبر من أن استرحم للباطل".
قال الرجل: "إنه الموت يا سيد".
قال الشهيد: "مرحبًا بالموت في سبيل الله".
وإلى الكلمات:
- "إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت الروح، وكُتبت لها الحياة".
- "إن معركتنا معركة تربوية".
- "إن حمل الجبال، وتجفيف البحار أهون من تربية الرجال".
- "إن العمل مع أنفسنا هو أول واجباتنا، فجاهدوا أنفسكم".
- "إن التهاون في البناء والتربية يعرض الجماعة لهزات وفتن داخلية".
- "إن موضوع التربية من الموضوعات ذات الأهمية الكبرى في حياة الأمم، فالأمم لا ترقى إلا بالتربية على قاعدة صحيحة، والأمة التي لم يُرَبَّ أبناؤها تربية صحيحة اختلت فيها الموازين في جميع مجالاتها الاجتماعية والسياسية والإدارية والاقتصادية وغيرها".
- "الإسلام رسالة تربية قبل أن يكون رسالة تنظيم وتشريع، ورسالة قيم قبل أن يكون رسالة جهاد وقتال".
- "إن أي سبيل غير سبيل التربية يُعتبر تبديدًا للطاقات، وصورة مشوهة للإسلام، فلا مناص، ولا خيار غير خيار التربية والدعوة، فهي السبيل التي لا خيرة لنا فيها".
- "إننا نرفض رفضًا قطعيًّا مسلك العنف والإكراه كطريقة لفرض الآراء على الناس، أو كمنهج للتغيير، بل نعمل على استئصال جذوره من الفكر والواقع؛ لأنه لا يأتي بخير، ونعتمد الحوار والإقناع، ومقارعة الحجة بالحجة، ونقول للمخالفين: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (البقرة: من الآية 111)، وللمعاندين ﴿وَإنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ (سبأ: من الآية 24)، ذلك هو السبيل الأقوم، والطريق الأصوب لسيادة المبدأ، وانتشار الفكرة، وهذا منهاج رسول الله في التغيير".
- "إن دعوة الله غالية، ومن يعمل لها هو الذي يَشْرُف بذلك، لأنه يشعر حينئذ بوجوده وكيانه، ويصبح ذا وزن وقيمة، وينال العزة والكرامة، ويتذوق حلاوة السكينة والطمأنينة؛ ولذا فإن الرجال حقًّا لا يستطيعون أن يعيشوا بلا دعوة، وإن الدعوة كذلك تحتاج إلى الرجال".
وأخيرًا.. "فإن هذه الدعوة كالشجرة الطيبة، تلقي عن نفسها الأوراق الذابلة المريضة، وتثبت في وجه الرياح الهوجاء.. ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ (الرعد: من الآية 17).

ليست هناك تعليقات :

من أين لك هذا ؟

هناك تعليقان (2)

مـــن أيـــــــن لــك هذا ؟!
د.علي الحمادي



قديمًا سُئل الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية جون كنيدى من أحد الصحفيين: هل رحلة زوجتك إلى أوربا على نفقتك الخاصة أم من مال الدولة؟

لو أن هذا السؤال وُجِّه إلى أحد رؤساء الدول العربية لقامت الدنيا ولم تقعد، ولوصف هذا الصحفي بالحماقة والغباوة، ولربما اعتبروا سؤاله نوعًا من التطاول أو التجاوز أو أنه يمس هيبة الدولة؟

ولكن كل هذه "الترهات" لم تخطر ببال كينيدي، الذي أجاب الصحفي بكل بساطة وأريحية عن سؤاله، ولم تخطر كذلك ببال المستمعين عبر شاشات التلفاز؛ لأنهم يعلمون أن من حق أي مواطن أن يسأل رئيس دولته مثل هذا السؤال.

تمامًا مثلما حدث مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وهو يخطب الجمعة بالناس -وكان قد أتته ثياب من اليمن فوزعها على المسلمين كل مسلمٍ ثوباً - فبدأ الخطبة وعليه ثوبان، وقال: أيها الناس! اسمعوا وعوا، فقام سلمان من وسط المسجد، وقال: والله لا نسمع ولا نطيع، فتوقف واضطرب المسجد، وقال: مالك يا سلمان؟ قال: تلبس ثوبين وتلبسنا ثوباً ثوباً ونسمع ونطيع؟! قال عمر: يا عبد الله! قم أجب سلمان، فقام عبد الله يبرر لسلمان، وقال: هذا ثوبي الذي هو قسمي مع المسلمين أعطيته أبي، فبكى سلمان، وقال: الآن قل نسمع، وأمر نطع، فاندفع عمر يتكلم. (أعلام الموقعين لابن القيم 2/ 180).

قال حافظ إبراهيم:

فَمَنْ يُبـَارِي أبَا حَفْصٍ وَسـِيَرتِـه أوْ مَنْ ْيُحَاوِلُ للفَارُوقِ تَشـْبِيهاً

يَوْمَ اشْتَهتْ زَوْجه الحَلْوَى فَقَالَ لَهَا: مِنْ أَيّنَ لِي ثَمِنِ الحَلْوىَ فَأَشْرِيها

مَا زَادَ عَنْ قُوتِنَا فالمُسْلمون بِه أوْلَى فَقُومِي لبيّـتِ المَــالِ رُدْيهـا

كَذَاكَ أخْلاقُـه كانـَتْ ومَـا عَهِـدَت بَعْــد َالنّبُوةِ أخْلاقٌ تُحَاكِيهــا

إن كثيرًا من دول العالم "المحترمة" تطبق اليوم قانون "من أين لك هذا؟!" على جميع من يتولى منصبًا صغيرًا أو كبيرًا في الدولة؛ لضمان نظافة ونزاهة أدائهم لعملهم، ولتكون هناك شفافية في المحاسبة أمام شعوب هذه الدول، وعادة ما يفرض هذا القانون على المسؤولين تقديم الذمة المالية (إقرار يطلب من كل مسؤول بتقديم بما يملكه هو وزوجه وأبناءه القُصَّر من أموال منقولة وغير منقولة، بما في ذلك الأسهم والسندات، والحصص في الشركات، والحسابات في البنوك، والنقود والحلي والمعادن والأحجار الثمينة، ومصادر دخلهم، وقيمة هذا الدخل، إضافة إلى ما عليهم من ديون)، وأحيانًا يُطبَّق هذا القانون أيضًا على غير المسؤولين من رجال الأعمال والتجار؛ خوفًا من تنامي ثرواتهم بالطرق غير المشروعة، كغسيل الأموال أو الاتجار في المخدرات وغيرهما.

والإسلام سبق النظم الغربية بأكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان في إرساء هذا المبدأ، فقد ثبت في صحيح البخاري ومسلم عن أبي حميد الساعدي: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) استعمل عاملاً فجاءه العامل حين فرغ من عمله، فقال يا رسول الله: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقال له: أفلا قعدت في بيت أبيك وأمك فنظرت أيهدى لك أم لا، ثم قام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عشية بعد الصلاة فتشهد وأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد، فما بال العامل نستعمله فيأتينا فيقول هذا من عملكم وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه وأمه فنظر هل يهدى له أم لا، فوالذي نفس محمد بيده لا يغل أحدكم منها شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه إن كان بعيرًا جاء به له رغاء، وإن كانت بقرة جاء بها لها خوار، وإن كانت شاة جاء بها تيعر، فقد بلغت".

وكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) وكان عامله على مصر‏:‏ من عبد الله عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص سلام عليك أما بعد: فإنه بلغني أنك فشت لك فاشية من خيل وإبل وغنم وبقر وعبيد‏، وعهدي بك قبل ذلك أن لا مال لك، فاكتب إلي من أين أصل هذا المال ولا تخفي عني شيئًا.

فكتب إليه‏:‏ من عمرو بن العاص إلى عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين‏، سلام عليك‏، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو أما بعد‏: فقد وصلني كتاب أمير المؤمنين يذكر فيه ما فشا لي، وأنه يعرفني قبل ذلك ولا مال لي‏، وإني أخبر أمير المؤمنين أني ببلد السعر به رخيص، وأني من الحرفة والزراعة ما يعالجه أهله... و في رزق أمير المؤمنين سعة‏، والله لو رأيت خيانتك حلالاً ما خنتك، فأقصر أيها الرجل فإن لنا أحساباً هي خير من العمل عندك! إن رجعنا إليها عشنا بها‏!

فكتب إليه عمر‏:‏ أما بعد فإني والله ما أنا من أساطيرك التي تسطر ونسقك الكلام في غير مرجع‏!‏ وما يغني عنك أن تزكي نفسك! وقد بعثت إليك محمد بن مسلمة فشاطره مالك، فإنكم أيها الرهط الأمراء جلستم على عيون المال ثم لم يعوزكم عذر، تجمعون لأبنائكم وتمهدون لأنفسكم، أما إنكم تجمعون العار وتورثون النار، والسلام" (العقد الفريد، ج2).

إن العلاج لا يبدأ فقط بمراقبة المسؤولين الحاليين أو القادمين مستقبلًا، فالأمر لا يتعلق بمؤسسة أو هيئة وإنما بخلق شعب وسلوك أمة، ورأيي أن الأمر يبدأ من البيت، من الزوجة أولاً ثم الأبناء.

تروي السيدة عائشة (رضي الله عنها) فتقول: "ودخل عليَّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) والمرجل يفور بلحم فقال: من أين لك هذا؟ قلت: أهدته لنا بريرة وتُصُدِّق به عليها، فقال: هذا لبريرة صدقة ولنا هدية" (رواه أحمد والبخاري ومسلم واللفظ لأحمد).

وكذلك الأبناء، يبدأ مع الطفل من سنواته الأولى، خاصة حينما يذهب إلى المدرسة، وهذا واجب الأم والأب معًا أن يبحثا في أغراضه عن أي متعلقات ليست له، ويسألانه من أين أتى بها؟ وعليهما التأكد من رواية طفلهم التي يرويها لهم؛ خوفًا من أن يكون قد سرقها من أحد زملائه، ومن هنا إما أن يشب الأبناء على الأمانة وإما أن يشبوا على السرقة.

وقد نشرت صحيفة الشرق الأوسط في عددها (8548) حلاً طريفًا يحكي تجربة إحدى القرى الصغيرة في شمال إنجلترا، والتي كانت تقوم بإقامة مهرجان سنوي لمحاسبة رئيس المجلس البلدي للقرية، وأعضاء المجلس البلدي أيضًا، أما كيف تتم المحاسبة فعن طريق الميزان. فحول ميزان كبير «طبلية» يقام المهرجان، حيث يصعد رئيس المجلس ليتم وزنه ليس مقابل الذهب أو الفضة أو المجوهرات كما تفعل بعض الطوائف، ولكن بالرطل، فإذا اتضح أن وزن رئيس المجلس قد زاد عن يوم توليه المنصب زيادة غير عادية، فهذا يثبت أنه رجل لم يكن مخلصًا في عمله، لأنه كان يستخدم بطنه أكثر مما يستخدم عقله، ومعنى ذلك أنه لم يعط القرية ومشاكلها الاهتمام اللازم، ويمكن التجاوز في حدود خمسة أرطال فقط، أما أكثر من هذا فيتم عزل رئيس المجلس فورًا، ثم يتم وزن باقي أعضاء المجلس واحدًا واحدًا وسط تصفيق جماهير القرية وضجيجهم.

وقد تم تمديد مدة رئيس المجلس البلدي هذا العام، ولكن اتضح أن الرجل قام بعمل ريجيم قاس قبل موعد الوزن ببضعة أسابيع، أي أنه قام بالتزوير في أوراق أو «أرطال رسمية».. وما زالت القرية تبحث عن حل آخر!

أما الآن فلو ذهبت تبحث عن ثروات الرؤساء والمسؤولين العرب لطار عقلك وانعقد حاجباك، فالرئيس التونسي الهارب بلغت ثروته (5) مليارات يورو، غير ما تم اكتشافه مخزنًا في خزائن قصوره السرية، وغير المبالغ التي سيتك اكتشافها لاحقًا، والرئيس المصري المخلوع بلغت ثروته حوالي سبعين مليار دولار، والرئيس الليبي تبلغ ثروته (82) مليار دولار وهي تساوي قرابة أربعة أضعاف ميزانية ليبيا لعام 2011، والتي بلغت نحو (22.4) مليار دولار.

وقس على ذلك الوزراء والمسؤولين ورجال الأعمال الذين تزوجوا السلطة أو تزوجت بهم، فلو رحت تحسب ذلك لوجدت العجب العجاب، ولأيقنت أننا في أمس الحاجة إلى هذا القانون العظيم "من أين لك هذا؟".


هناك تعليقان (2) :