الأوّابين

ليست هناك تعليقات
الأوّابيـــــن

موقف هــــزّني وأنا أطالع أحد الكتب فإليكم هذا الموقف الرائع :

"
و لنا في ذلك أسوة حسنةٌ في نبيِّ الرحمة صلى الله عليه وسلم الذي ما ترك خيراً إلا و أرشدنا إليه ، و لا شراً إلا أخذ بحُجَزِنا فصرفنا عنه ، و حذَّرَنا منه ، و قد كان مدرسةً في اتباع الحقّ و الرجوع عمّا يخالفه .
فقد قعد رسول الله صلى الله عليه وسلم و أبو بكر يبكيان بعد أن تبيّن لهما الحق في مسألة أسارى بدر ، خلافاً لما ذهبا إليه .
أخرج مسلم في صحيحه عن عمَر بن الخطّاب رضي الله عنه في قصّة أسارى بدر ـ و كانوا سبعين رجلاً من المشركين ـ أنّهم : ( لما أسروا الأسارى ، قال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ،‏ ‏و عمر ‏: ( ‏ما ترون في هؤلاء الأسارى ؟ ) فقال ‏أبو بكر :‏ ‏يا نبي الله هم بنو العم و العشيرة أرى أن تأخذ منهم ‏ ‏فديةً ،‏ ‏فتكون لنا قوةً على الكفار ، فعسى الله أن يهديهم للإسلام . فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم : ( ‏ما ‏‏ترى يا‏ ‏ابن الخطاب ؟‏ ‏) قلت : لا و الله يا رسول الله ، ما أرى الذي رأى ‏ أبو بكر ، ‏و لكني أرى أن تُمكنا فنضرب أعناقهم ... ‏فهَوِيَ رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏ما قال ‏أبو بكر ، ‏و لم يهوَ ما قلتُ ، فلما كان من الغد جئتُ ، فإذا رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم و أبو بكر ‏قاعِدَين يبكيان ، قلت : يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي ، أنت و صاحبك فإن وجدت بكاءً بكيتُ ، و إن لم أجد بكاءً تباكيتُ لبكائكما . فقال رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم‏ : ( أبكي للذي عَرض علي أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عُرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة ، شجرة قريبة من نبي الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ،و أنزل الله عز و جل : ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ و اللهُ عَزيزٌ حَكِيمٌ ) [ الأنفال : 67 ] .
فما أروعه من مثَل ، و يالِحُسنِها من تربية !
نبيّ الرحمة ، و صدّيق هذه الأمّة ، يبكيان ، و يعلّمان الدعاة و العلماء ، أدباً رفيعاً من آداب الدعاة ، في الرجوع إلى الحق ، و التمسك به .
و هكذا كان أصحابه رضوان الله عليهم من بعده ، يتلمسون سبل الهدى ، و ينصاعون إلى الحق ، و يعرضون عمّا يخالفه ، و لا يجد الواحد منهم غضاضةً في الرجوع عن رأيه ، و قبول الحقّ ممّن جاء به ، كائناً من كان .
كيف ، و هم المتواصون بالحقّ ، المتواصون بالصبر !! و ما أجمل قول فاروق هذه الأمة رضي الله عنه في كتابه لمعاوية بن أبي سفيان عامله على الشام : ( و لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك و هديت لرشدك أن تراجع الحق فإن الحق قديم و مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ) .
قال السرخسي رحمه الله معقباً على كلام الفاروق هذا : ( و ليس هذا في القاضي خاصة بل هو في كل من يبين لغيره شيئا من أمور الدين الواعظ و المفتي و القاضي في ذلك سواء إذا تبين له أنه زل فليُظهر رجوعه عن ذلك ، فزلة العالم سبب لفتنة الناس ... و قوله : الحق قديم ؛ يعنى هو الأصل المطلوب ، و لأنه لا تنكتم زلة من زل ، بل تظهر لا محالة فإذا كان هو الذي يظهر على نفسه كان أحسن حالاً ، ثم العقلاء ، من أن تظهر ذلك عليه مع إصراره على الباطل ) [ المبسوط : 16 / 62 ] . "

اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا .. يــــارب

ليست هناك تعليقات :