هو صفـــــــاء الابتداء.

هناك 3 تعليقات
هو صفـــــــاء الابتداء

فأما الشاعر : فيشير إشارة عامة إلى تـفسير مثـل هذه الظاهرة ، ويـقول :

وكل امرئٍ - والله بالناس عالم - **** له عادة قامت عليها شمائله

تـعوّدها فـيمـا مضى مـن شـبابه **** كـذلك يـدعو كـل أمـر أوائـله

والشاهـد فيه : الشطـر الأخير ، فكـل أمـر تغـلب عليه الصفـة التي بدأ بها .

ولكن أساتذة التربية الأوائل قربوا أدنى من الشاعر ، فاتضح وانكشف لنا مذهبهم ، بما فصّلوا وعينوا من معنى أوائل الأمور .

منهم من صاغ ذلك في حروف قليلة شاملة ، فقال : " الفترة بعد المجاهدة : من فساد الابتداء " .

ويريد بالفترة : الفتور .

فهـو الابتداء إذن ، أي الخطوات الأولى للداعية المسلم في طريق الدعوة الموصل إلى الله ، تـكون صحيحة ، فيرتـقي بلا فتور ونكوص ، وإن فتـر فبـمـقـدار لا يتعدى أدنى ما أثـر من سنّـة النبي صلى الله عليه وسلم . وتـكون معيبة هذه الخطوات ، فيفتـر و ينكص عن الارتـقاء .

ولكن من أين يعترض الداعية الفتور إذا دفعه مربّوه بـقوة أول مرة ؟

و كيف لا يتسارع في يومه وغده سير من قطع به أمسه مرحلة نحو غايته ؟

و من أيقن أنه يتبع رسولاً من أولي العزم ، صلى الله عليه وسلم ، فكيف لا يستمد من عزمه ؟

فهي الخطوات الأولى إذن : من جعلناها له متـقنة : ثبتت بعد ذلك قدمه ، بما يشاء الله ، ومن تركناه يضطرب فقـد أعطينا لشيطانه المقص يقطع به حبل ما بيننا و بينه ، يتربص لذلك غـفـلة .

فإن لم يحصل الشيطان على المقـص ، وفاتته المفاجأة ، فإنه يقنع بأن يمسك طرف الحبل يفلّ خيوطه بتدريج ، ويلقي في نفس من اعوجت بدايته الدعاوي ، ويريه قليل خيره وعمله كثيراً ، حتى يستولي عليه الغرور والتطاول ، فيرتكس هالكاً .

وهذه العقدة الثانية للشيطان أبصرها آخر من الصالحين ، ووصفها يحذرنا ، فقال : " إنما تتولد الدعاوي من فساد الابتداء ، فمن صحت بدايتـه : صحت نهايته ، ومن فسدت بدايته : فربما هلك " .

بل يهلك في الأغلب ، فإن مبني البداية على التجرد ، فإذا حرم من صفائه في الأول فإن بنيانه يظل مهتـزاً مهما شمخ عالياً ، بل الخطر كل الخطر عليه في الحقيقة إذا شمخ ، فإنه يسرع إلى التمايل عند كل نداء ببدعة أو دعوة لمغنم ، لأن من شأن الشيطان أن يزين البدعة و يجملها ، و أن من شأنه أن يستغل وقت الحاجة ليغري ، ولئن تردد هذا الرجل الصالح فذكر مجرد الاحتمال و استعمل كلمة ( ربما ) ، ولئن تردنا فاقتصرنا على ( الأغلب ) ، فإن ثالثاً قد جزم بذلك فقال : " من لم يصح في مبادئ إرادته : لا يَسلم في منتهى عاقبتـه " .

وما هو بنسيان منه لمشيئة الله تهدي و تـثبت من يختار ، ولكنه يتحدث عن تجربتـه في التربية ، ويقدم تـقريره عن نتائج تـفتيشه واستـقـراء أحوال من عرفهم .

وهكذا تـكون عنايتـنا بالابتداء خطاً بارزاً ظاهراً في فنّناً التربوي الحركي .

هناك 3 تعليقات :