لماذا يتأخر النصر؟ .بقلم الأستاذ:سيد قطب رحمه الله

ليست هناك تعليقات
        

     والنصر قد يبطئ على الذين ظلموا وأخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله، فيكون هذا الإبطاء لحكمة يريدها الله..
قد يبطئ النصر لأن بنية الأمة المؤمنة لم تنضج بعدُ نضجها، ولم يتم بعد تمامها، ولم تحشد بعد طاقاتها، ولم تتحفز كل خلية وتتجمع لتعرف أقصى المذخور فيها من قوى واستعدادات، فلو نالت النصر حينئذ لفقدته وشيكا لعدم قدرتها على حمايته طويلا.

وقد يبطئ النصر حتى تبذل الأمة آخر ما في طوقها من قوة، وآخر ما تملكه من رصيد، فلا تستبقي عزيزا ولا غاليا لا تبذله هينا رخيصا في سبيل الله.
وقد يبطئ النصر حتى تجرب الأمة آخر قواها، فتدرك أن هذه القوى وحدها بدون سند من الله لا تكفل النصر، إنما يتنزل النصر من عند الله عندما تبذل آخر ما في طوقها ثم تكل الأمر بعده لله.
وقد يبطئ النصر لتزيد الأمة المؤمنة صلتها بالله، وهي تعاني وتتألم وتبذل، ولا تجد لها سندا إلا الله، ولا متوجَّها إلا إليه وحده في الضراء، وهذه الصلة هي الضمانة الأولى لاستقامتها على النهج بعد النصر عندما يتأذن الله به، فلا تطغى ولا تنحرف عن الحق والعدل والخير الذي نصرها به الله.

وقد يبطئ النصر لأن الأمة المؤمنة لم تتجرد بعد في كفاحها وبذلها لله ولدعوته، فهي تقاتل لمغنم تحققه، أو تقاتل حمية لذاتها، أو تقاتل شجاعة أمام أعدائها، والله يريد أن يكون الجهاد له وحده وفي سبيله، بريئا من المشاعر التي تلابسه.

كما قد يبطئ النصر لأن في الشر الذي تكافحه الأمة المؤمنة بقية من خير، يريد الله أن يجرد الشر منها ليتمحض خالصا ويذهب وحده هالكا، لا تتلبس به ذرة من خير تذهب في الغمار.
وقد يبطئ النصر لأن الباطل الذي تحاربه الأمة المؤمنة لم ينكشف زيفه للناس تماما، فلو غلبه المؤمنون حينئذ فقد يجد له أنصارًا من المخدوعين فيه، لم يقتنعوا بعد بفساده وضرورة زواله، فتظل له جذور في نفوس الأبرياء الذين لم تنكشف لهم الحقيقة، فيشاء الله أن يبقى الباطل حتى يتكشف عاريًا للناس، ويذهب غير مأسوف عليه.

وقد يبطئ النصر لأن البيئة لا تصلح بعد لاستقبال الحق والخير والعدل الذي تمثله الأمة المؤمنة، فلو انتصرت حينئذ للقيت معارضة من البيئة لا يستقر لها معها قرار، فيظل الصراع قائما حتى تتهيأ النفوس من حوله لاستقبال الحق الظافر ولاستبقائه.

من أجل هذا كله، ومن أجل غيره مما يعلمه الله قد يبطئ النصر، فتتضاعف التضحيات، وتتضاعف الآلام، مع دفاع الله عن الذين آمنوا.

ليست هناك تعليقات :