في محاكمات الإخوان عام 1965م، قال رئيس المحكمة الفريق محمد فؤاد الدجوي للشهيد سيد قطب: "يا سيد.. أنتم كنتم تريدون قتل جمال عبد الناصر"، فجاء رد الشهيد: "هدف حقير لا نسعى إليه"، نزل الرد كالصاعقة على الدجوي الذي ترك الموضوع كليةً، وبدأ الحديث في موضوع آخر.
قبيل لحظات من تنفيذ الإعدام، سُمِعَ صوت (بروجي) إيذانًا بقدوم شخصية عسكرية كبيرة، وما أن فُتحت بوابة سجن الاستئناف بباب الخلق، حتى دخلت سيارة سوداء، ويخرج منها القادم الكبير، وبيده كراسة وقلم مُشيرًا بيده إلى وقف التنفيذ، وهو يخطو خطوات تجاه الشهيد سيد قطب، حتى وقف بجواره قائلاً: "جئتك من عند الرءوف الرحيم"- يقصد جمال عبد الناصر، أفضى إلى ما قدم وموعدنا معه يوم يقوم الناس لرب العالمين- "كلمة واحدة تخطها في هذا الكراس تنقذ بها نفسك وإخوانك، اكتب: إني أخطأت.. إني أعتذر".
فسكت الشهيد برهة، ثم أردف قائلاً: "إن أصبع السبَّابة التي تشهد لله بالوحدانية في الصلاة تأبى أن تكتب كلمة واحدة يُقَرُّ بها لحكم طاغية، فإن كنت مسجونًا بحق فأرتضي حكم الحق، وإن كنت مسجونًا بباطل، فأنا أكبر من أن استرحم للباطل".
قال الرجل: "إنه الموت يا سيد".
قال الشهيد: "مرحبًا بالموت في سبيل الله".
وإلى الكلمات:
- "إن كلماتنا تظل عرائس من الشمع، حتى إذا متنا في سبيلها دبت الروح، وكُتبت لها الحياة".
- "إن معركتنا معركة تربوية".
- "إن حمل الجبال، وتجفيف البحار أهون من تربية الرجال".
- "إن العمل مع أنفسنا هو أول واجباتنا، فجاهدوا أنفسكم".
- "إن التهاون في البناء والتربية يعرض الجماعة لهزات وفتن داخلية".
- "إن موضوع التربية من الموضوعات ذات الأهمية الكبرى في حياة الأمم، فالأمم لا ترقى إلا بالتربية على قاعدة صحيحة، والأمة التي لم يُرَبَّ أبناؤها تربية صحيحة اختلت فيها الموازين في جميع مجالاتها الاجتماعية والسياسية والإدارية والاقتصادية وغيرها".
- "الإسلام رسالة تربية قبل أن يكون رسالة تنظيم وتشريع، ورسالة قيم قبل أن يكون رسالة جهاد وقتال".
- "إن أي سبيل غير سبيل التربية يُعتبر تبديدًا للطاقات، وصورة مشوهة للإسلام، فلا مناص، ولا خيار غير خيار التربية والدعوة، فهي السبيل التي لا خيرة لنا فيها".
- "إننا نرفض رفضًا قطعيًّا مسلك العنف والإكراه كطريقة لفرض الآراء على الناس، أو كمنهج للتغيير، بل نعمل على استئصال جذوره من الفكر والواقع؛ لأنه لا يأتي بخير، ونعتمد الحوار والإقناع، ومقارعة الحجة بالحجة، ونقول للمخالفين: ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ (البقرة: من الآية 111)، وللمعاندين ﴿وَإنَّا أَوْ إيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ (سبأ: من الآية 24)، ذلك هو السبيل الأقوم، والطريق الأصوب لسيادة المبدأ، وانتشار الفكرة، وهذا منهاج رسول الله في التغيير".
- "إن دعوة الله غالية، ومن يعمل لها هو الذي يَشْرُف بذلك، لأنه يشعر حينئذ بوجوده وكيانه، ويصبح ذا وزن وقيمة، وينال العزة والكرامة، ويتذوق حلاوة السكينة والطمأنينة؛ ولذا فإن الرجال حقًّا لا يستطيعون أن يعيشوا بلا دعوة، وإن الدعوة كذلك تحتاج إلى الرجال".
وأخيرًا.. "فإن هذه الدعوة كالشجرة الطيبة، تلقي عن نفسها الأوراق الذابلة المريضة، وتثبت في وجه الرياح الهوجاء.. ﴿فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ﴾ (الرعد: من الآية 17).
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق