أهلا رمضان – مناجاة. الإمام الشهيد حسن البنا
قلت للرجل الواقف على باب العام: أعطني نورا أستضيء به في هذا الغيب المجهول فإني حائر، فقال لي: ضع يدك في يد الله فإنه سيهديك سواء السبيل.
وعلى مفترق الطرق وقف الساري الكليل في موكب الزمن يلقي بنظرة إلى الوراء، ليستعرض ما لقى من عناء السفر ومتاعب المسير، ويلقي بنظرة إلى الأمام يتكشف ما بقي من مراحل الطريق.
أيها الحائر في بيداء الحياة، إلى متى التيه والضلال وبيدك المصباح المنير (قَدْ جَاءَكُمْ مِنْ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ، يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنْ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة: 15 – 16).
أيها الحيارى والمتعبون الذين التبست عليهم المسالك فضلوا السبيل، وتنكبوا الطريق المستقيم، أجيبوا دعاء العليم الخبير (يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) (الزمر: 53 – 54) .. وترقبوا بعد ذلك طمأنينة النفس، وحسن الجزاء، وراحة الضمير (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ، أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (آل عمران: 135 – 136).
أيها الأخ العاني المتعب الرازح تحت أعباء الخطايا والذنوب إياك أعني وإليك أوجه القول:
إن باب ربك واسع فسيح غير محجوب، وبكاء العاصين أحب إليه من دعاء الطائعين، جلسةٌ من جلسات المناجاة في السحر وقطرةٌ من دموع الأسف والندم وكلمةُ الاستغفار والإنابة يمحو الله بها زلتك، ويعلي درجتك، وتكون عنده من المقربين، وكل بني آدم خطاءون وخير الخطائين التوابون (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة: 222).
ما أقرب ربك إليك وأنت لا تدرك قربه، وما أحبك إلى مولاك وأنت لا تقدر حبه، وما أعظم رحمته بك وأنت من الغافلين، إنه يقول في حديثه القدسي: (أنا عند ظن عبدى بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلى شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ...) ... وفي حديث آخر (يا ابن آدم امش إليَ أهرولُ إليك ...) ... وإنه يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وإنه لأعظم رحمة بعبده المؤمن من الأم الرءوم بواحدها الحبيب (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (البقرة: 143).
من عرف حق الوقت فقد أدرك قيمة الحياة، فالوقت هو الحياة، وحين تطوى عجلةُ الزمن عاما من أعوام حياتنا لتستقبل عاما آخر، نقف على مفترق الطريق، وما أحوجنا في هذه اللحظة الفارقة أن نحاسب أنفسنا على الماضي وعلى المستقبل من قبل أن تأتي ساعة الحساب وإنها لآتية، على الماضي فنندم على الأخطاء، ونستقيل العثرات، ونقوِّم المِعْوَجَّ، ونستدرك ما فات، وفي الأجل بقية وفي الوقت فسحة لهذا الاستدراك، وعلى المستقبل فنعد له عدته من القلب النقي، والسريرة الطيبة، والعمل الصالح، والعزيمة الماضية السباقة إلى الخيرات والمؤمن أبدا بين مخافتين:
بين عاجل قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه، وبين آجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه،
فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الهرم، ومن الحياة قبل الموت، وما من يوم ينشق فجره إلا وينادي " يا ابن آدم أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة".
جريدة الإخوان المسلمين النصف شهرية -
السنة الأولى - العدد 10 - 9 يناير 1943م
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق